قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} أي بالعهود، قال الزجاج: هي أوكد العهود، يقال: عاقدت فلانا وعقدت عليه أي: ألزمته ذلك باستيثاق، وأصله من عقد الشيء بغيره ووصله به، كما يُعقد الحبل بالحبل إذا وُصل.واختلفوا في هذه العقود، قال ابن جريج: هذا خطاب لأهل الكتاب، يعني: يا أيها الذين آمنوا بالكتب المتقدمة أوفوا بالعهود التي عهدتُها إليكم في شأن محمد صلى الله عليه وسلم، وهو قوله: {وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس} [سورة آل عمران، 187].وقال الآخرون: هو عام، وقال قتادة: أراد بها الحِلْف الذي تعاقدوا عليه في الجاهلية، وقال ابن مسعود رضي الله عنه: هي عهود الإيمان والقرآن، وقيل: هي العقود التي يتعاقدها الناس بينهم.{أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأنْعَامِ} قال الحسن وقتادة: هي الأنعام كلها، وهي الإبل والبقر والغنم، وأراد تحليل ما حرم أهل الجاهلية على أنفسهم من الأنعام.وروى أبو ظبيان عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: بهيمة الأنعام هي الأجنة، ومثله عن الشعبي قال: هي الأجنة التي توجد ميتة في بطون أمهاتها إذا ذُبحت أو نحرت، ذهب أكثر أهل العلم إلى تحليله.قال الشيخ الإمام قرأت على أبي عبد الله محمد بن الفضل الخرقي فقلت: قُرئ على أبي سهل محمد بن عمر بن طرفة وأنت حاضر، فقيل له: حدثكم أبو سليمان الخطابي أنا أبو بكر ابن داسة أنا أبو داود السجستاني أنا مسدد أنا هشيم عن مجالد عن أبي الوداك عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنهم قال قلنا: يا رسول الله ننحر الناقة ونذبح البقرة والشاة فنجد في بطنها الجنين، أنلقيه أم نأكله؟ فقال: «كلوه إن شئتم فإن ذكاته ذكاة أمه». وروى أبو الزبير عن جابر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ذكاة الجنين ذكاة أمه».وشرط بعضهم الإشعار، قال ابن عمر: ذكاة ما في بطنها في ذكاتها إذا تم خلقه ونبت شعره، ومثله عن سعيد بن المسيب.وعند أبي حنيفة رضي الله عنه لا يحل أكل الجنين إذا خرج ميتا بعد ذكاة الأم.وقال الكلبي: بهيمة الأنعام: وحشيها، وهي الظباء وبقر الوحش، سميت بهيمة لأنها أبهمت عن التمييز، وقيل: لأنها لا نطق لها، {إِلا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ} أي: ما ذكر في قوله: {حرمت عليكم الميتة} إلى قوله: {وما ذبح على النصب}، {غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ} وهو نصب على الحال، أي: لا محلي الصيد، ومعنى الآية: أحلت لكم بهيمة الأنعام كلها إلا ما كان منها وحشيا فإنه صيد لا يحل لكم في حال الإحرام، فذلك قوله تعالى: {وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ}.